أنا خائفة على طفلي!!..
ريما هي أم لطفل واحد اسمه رامي ترى كُلَّ جمال الدنيا من خلاله، فمنذ أن كان بشهوره الأولى لم تعرف النوم قط ، وتراقبه هل هو يتنفس بشكل طبيعي ؟ ، هل هو منزعج من شيء ما ؟ ، هل يشعر بالبرد ؟ ، هل رضع بشكل كافٍ ؟ ، هل وهل.. ، ولَمْ تشبع من هل ، وكَبُرَ قليلا وبدأت تعشق كل حركاته وتراقب كل تصرفاته ، وأينما ذهب تجدها حواليه وكأنها طائر يحرسه ، وما إن احتاج شيئا وقبل أن يطالب به تلبيه بلهفة وبحب ، كَبُرَ رامي وأصبح يميز أن تواجد أمه مُبالغ فيه عن باقي الأمهات ، وجاء اليوم الذي دفعها عنه ليطالب ببعض الخصوصية ، وأن تثق به بأن يتولى زمام الأمور بنفسه ويلبي حاجات نفسه بنفسه كباقي الأطفال..
صدمة ريما كانت كبيرة ولم تتقبلها ، وأصبح نفور رامي منها متكرراً وحاداً ، ضاقت بها الدنيا ، فأرسلت لي رسالة:
أستاذة وفاء أود أن أستشيرك، لدي ابن عمره خمس سنوات ولا أستطيع أن أبتعد عنه ، فواجبي أن أحميه وأن أوفر له كل مايريد ، لقد أصبح ينفر مني ويصرخ علي إن كان مع أصدقائه وحاولت أن ألعب معهم ، أصبح يريد أن يسكب ويأكل ويلبس ويستحم لوحده ، في الشهر الماضي دعاه أحد أصدقائه لحفلة في منزله ولم أكن مدعوة لكني صممت أن أذهب وأراقبه من بعيد و لكنه صرخ في وجهي وطلب مني أن أذهب وبسرعة ، فلم أتمالك نفسي وأخذته من يده ورجعنا للمنزل، أعرف أني تماديت ولكن ماذا لو حصل له مكروه ماذا لو تأذى واحتاجني وأنا بعيدة عنه ، كيف لي أن أكون أما وأنا لا أحمي طفلي ولا أكون بجانبه؟
أرجوكِ ساعيديني..
كانت رسالتها من الرسائل التي أثرت في ، لم أعرف ماذا أكتب لها وكيف لي أن أوضح لها أن ماتفعله أمر سيء لها ولابنها ، فكرت وفكرت ثم قررت المصارحة ، وأرسلت لها :
عزيزتي ريما ، عندما خلق الله سبحانه وتعالى هذه الحياة كتب أقدارنا وكل الأحداث التي ستمر بنا ، لذا مهما تواجدتِ ومهما حاولتِ أن تحمي وتبعدي الأذى عنه ، القدر سيتحقق مهما كان لأن رب العالمين قد شاء أن يتحقق ، أنا أعرف أنك تحبين طفلك كثيرا لكن هذا لا يعني أن الأم التي تضع ابنها في حفلة ما وتذهب لاتحب طفلها ، بالعكس أنت تحبينه عندما تتركين له الحرية ومساحة يحاول فيها تجربة الفعل وردة الفعل ويفهم كل العواقب التي تتبع أفعاله إن كانت سيئة أو جيدة ، وعندما تبتعدين عنه تجعلينه يعرف أنك تثقين به ، والثقة هي أساس في نفسية الطفل السليمة..
نفور طفلك منك هو أمر طبيعي ، فأنت عندما تشرفين على كل تصرفاته كأنك أهنتيه وأقللتِ من شأنه وكأنه في سنته الأولى والتي يحتاج فيها إلى إشراف في كل لحظة..
لذا عزيزتي ريما ، أولا عليكِ بالتوكل على الله سبحانه وتعالى ، ثم عليك بالدعاء والدعاء يوميا واستودعيه عند الله سبحانه وتعالى فهو الحامي والقاضي..
ثانياً ، هيئي له الظروف الملائمة داخل غرفة آمنة تتواجد فيها ألعابه الخاصة واتركيه لوحده ، ودربي نفسك أن لا تترددي عليه إلا بعد فترات متباعدة..
ثالثا: إن دعاه أحد أصدقائه لابد أن تكوني على معرفة بأم صديقه فهذا من حقك ، كما أنه من حقك أن تعايني المكان بشكل سريع ، ثم عليكِ أن تذهبي ، نعم ضعيه وانسحبي ومهما حصل سيكون قضاء وقدراً ، ووجودك لن يمنعه..
ردة فعل رامي تدل على أنه طفل طبيعي واستطاع أن يدافع عن حقه ، لذا أنت محظوظة فاستغلي هذه الفرصة ، فهناك أطفال يخضعون لهذه المراقبة الدائمة والتوكل على الأم لتلبية كل احتياجاته ، فينشأ لك طفل مهزوز ،ضعيف الشخصية ، يخاف أن يمشي خطوة للأمام لوحده ، لا يعرف كيف يدافع عن نفسه ،وبين أصدقاءه هو الأضحوكة الذي لا رأي له ، لايستطيع أن يتخذ قراراً و لو كان بسيطاً جدا.. وبالطبع كل هذا له تبعاته ، وستترسب كل هذه المخلفات سنة بعد سنة ليصبح رجلاً لا يستطيع أن يكون مسؤولاً عن عائلة وأطفال يعلوهم ويحميهم ، فهل هذا ماتريدينه لطفلك؟.. ، بالطبع لا ، لذا اتخذي القرار وبسرعة..
كنت أكتب الرسالة وكلي خوف أن تنهار ريما من كلماتي وتغلق رسالتي وكأنها لم تقرأها ، لكن بعد بضعة أيام أرسلت لي رسالة شكر على رسالتي مع كلمات تدل على السعادة بما قرأته ، ووعدتني بأنها اتخذت القرار الذي سيسعد رامي ويسعدها و لو بعد حين ، وهاهي الآن وبعد مضي بضع سنوات على رسالتي تغلبت على وسوستها وابتعدت عن رامي ليكون طفلا سعيداً واثقاً من نفسه ، يتخذ قراره دون أن يخاف من شيء ، كما أنها رزقت بطفلة جديدة وطبقت عليها النظرية الجديدة ، وعَرَفَت أنها تحب أطفالها عندما تثق بهم وتبتعد عنهم..
مع تمنياتي لكم بحياة أمتع مع أطفالكم
وفاء غيبه